د. شفيق البقاعي
من ذاكرة الأيام أكتب عن مرحلة هي الأبرز في حياتي، حين اكتشفت كيف عشتها دون ان اتحسس الغربة وانا بعيد عن اهلي ووطني! انه احساس ماعشته في رومانيا اثناء متابعة دراستي لتحضيري للدكتوراه دولة اثناء حصولي على المنحة الدراسية في جامعة بخارست تحت عنوان „الأدب في لبنان ومؤثرات الغرب في مجرى تطوره الفكري والجمالي” دراسة في الادب والنقد المقارن العالمي!
كتابتي اليوم عن ظروفي الصعبة أثناءها حول التحصيل العلمي أولاً ومشروع بناء عائلة ثانياً عندما وجدت رفيقة العمر وقد ساهمت بانجاحي للدخول في عالم جديد وحياة جديدة كانت غابريالا الفتاة الخلوقة قد اعطتني رؤى لأصبح طالباً ناجحاً أهلتني مساعدتها ووقوفها الى جانبي ان اكون استاذاً في جامعة بخارست ادرس اللغة العربية في معهد الاستشراق.
بمثل هذا الانتماء اصبحت طالباً واستاذاً في نفس المسار. عشته في رومانيا وانتميته الى الواقع العلمي والاجتماعي حين اعطتني اياه رومانيا لأكون باحثاً عن الادب والرسالة التي أوكلت نفسي القيام بها كمشروع جديد لحياتي حيث فتحت رومانيا الأبواب لي حين تعرفت الى لغتها وحضارتها العريقة الى ثقافة شعبها ومستوى حياتها العلمية الراقية. لذا كان هذا المشروع علامة فارقة في مسيرتي العلمية عندما أشرف عليها كبار الأكاديميين في جامعة بخارست من المشرف على أطروحتي البروفسور رومل مونتيانو الى الأكاديميين الذين امتحنوني من البرفيسور ألكساندر ديما والعالم الأكاديمي الأستاذ الدكتور دان غريغوريسكو والبروفسور يوسفسكو.
اجل انها مرحلة تجاوزتها بجرأة ونجاح حيث سمحت لي أن اتعرف الى كبار الشعراء أمثال الشاعر الكبير مارين سورسكو والشاعر الثائر أدريان يونسكو والى كبار المستشرقين امثال الدكتورة ناديا انجلسكو وزوجها الدكتور مرتشا والاستاذ جورج تسرلسكو والاستاذ نقولا دوبروشان و الاستاذ ايليا بديكوتس. هؤلاء هم اساتذة اللغة العربية الذين رافقتهم في مشواري الاكاديمي التعليمي خلال أربع سنوات حين كنت أدرس الصفوف للطلاب في معهد اللغة العربية. فكنت صديقاً وزميلاً لهم كنت أبادلهم المودة وأزودهم بما يلزمون من أدبنا العربي ولغته ومن مراجع ومؤلفات عربية أهديتهم إياها.
مع هذا اللفيف المثقف عشت أيامي الأكاديمية قبل حصولي على درجة الدكتوراه دولة. أما بعد ذلك حين عدت الى لبنان لأكون دكتوراً واستاذاً في جامعاته فقد قمت بأبحاثاً لها وزنها العلمي عن كبار شعراء رومانيا امثال ميهاي امينسكو الذي كانت دراستي لشعره حيث نشرتها في مجلة الطريق اللبنانية في آب عام 1989 وعن فيرجيل جورجيو، وعن بانييت استراتي دراسة نشرتها بالفرنسية مجلة „رومانو أربيكا” عام 1976.
إن هذه المرحلة التي اكتب اليوم عنها انها بمثابة عرفان الجميل لرومانيا ونظالها وشعبها وحضارتها والقيم التي استقيت منها الجمال والوفاء والحب. رومانيا زهرة البلقان، بلد الجمال الريفي بطبيعتها الخلابة ومناظرها الساحرة تعيش كلها ذكريات في مخيلتي اعتبرها بلدي الثاني لأني انتميت اليها انسانياً بعائلة كونتها مع زوجتي غابريالا المهندسة في اختصاص البترول والاكاديمية الناجحة حيث هي اليوم تشغل أيامها مع زميلتها السيدة انكا شعيتو ودانيالا روشو بإدارة جمعية رومانيا التي اسستها ابنتي ناتالي دنيس مع اخيها رمزي والدكتور ملحم صابر حيث جمعوا السيدات الرومانيات في لبنان ليتعارفن في لقاءات سنوية كما فتحوا لأولادهن مدرسة تعلمهم اللغة الرومانية وبهذا العمل قام على حساب الموسيسن بنشاطات ثقافية وعلمية. من هنا نكون قد عملنا شيئاً له قيمة اجتماعية تربط ما بين رومانيا البلد ورومانيا الاغتراب.
ان هذه العجالة قد لا تكفي لتعداد العلاقات الطبيعية التي جمعت الانسان اللبناني بالانسان الروماني من خلال المحبة والتقارب بين سكان البلدين والتواصل الانساني بين من يعرف القيمة النوعية للتقارب الذي يجمع ولا يفرق.رومانيا وطننا الثاني نحترمه ونحترم عاداته وتقاليده ولأنه يجمعنا في ظلاله ما بين الأرزة اللبنانية والزهرة الرومانية الرائعة كمجتمع حضاري انساني راقي.